نهضة الفيل .. كيف استطاعت الهند أن تصبح خامس اقتصاد في العالم
خلال 3 عقود ..
السياسية:
تمكن اقتصاد الهند من النمو بنسبة 13.5% في الفترة من أبريل/نيسان وحتى يونيو/حزيران عام 2022، مقارنةً بالعام السابق، وهي أسرع وتيرة له في عامٍ واحد.
وجاءت تلك القفزة على خلفية تعزيز الدولة لمجالات الزراعة والتصنيع تزامناً مع تخفيف القيود العالمية للحد من انتشار وباء (COVID-19).
هذا النمو لثالث أكبر اقتصاد في القارة الآسيوية، دفع الهند إلى المقدمة، ما جعلها تتجاوز أحد أبرز وأهم اقتصادات العالم، لتصبح في المرتبة الخامسة عالمياً، متجاوزةً دولتين عظميين مثل فرنسا وإنجلترا.
أقوى 10 اقتصادات في العالم
وفقاً للبنك الدولي، فإن أقوى 10 دول اقتصادياً خلال عام 2022 بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي بالترتيب، هي كالتالي:
الدولة |
الناتج المحلي الإجمالي |
|
---|---|---|
1 |
الولايات المتحدة |
253.468.05 مليون دولار |
2 |
الصين |
199.115.93 مليون دولار |
3 |
اليابان |
49.121.47 مليون دولار |
4 |
ألمانيا |
42.565.40 مليون دولار |
5 |
الهند |
35.347.43 مليون دولار |
6 |
المملكة المتحدة |
33.760.03 مليون دولار |
7 |
فرنسا |
29.367.02 مليون دولار |
8 |
كندا |
22.212.18 مليون دولار |
9 |
إيطاليا |
20.583.30 مليون دولار |
10 |
البرازيل |
18.332.74 مليون دولار |
الهند.. توقعات بالمزيد في المستقبل القريب
بحسب وزير التجارة والصناعة الهندي بيوش جويال، من المتوقع أن تصل الصادرات الهندية إلى تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2030.
إذ تُعتبر الهند في الأساس اقتصاداً يحركه الطلب، حيث يساهم الاستهلاك والاستثمارات بنسبة 70% في النشاط الاقتصادي للبلاد.
وبذلك برزت الهند باعتبارها الاقتصاد الأسرع نمواً في العالم، إذ من المتوقع أن تكون واحدة من أكبر ثلاث قوى اقتصادية على مستوى العالم خلال الأعوام الـ10-15 القادمة.
ولكن كيف استطاعت الدولة الآسيوية أن تحقق هذه المعدَّلات المرتفعة من التطور والرخاء الاقتصادي؟ خلال 75 عاماً فقط من استقلالها عام 1947، بعد أن كانت واحدة من أهم مستعمرات بريطانيا لقرنين من الزمان.
صفحة جديدة في تاريخ البلاد
عندما احتل البريطانيون شبه الجزيرة الهندية في القرن الـ17، أسسوا مراكز تجارية باسم شركة الهند الشرقية البريطانية. ومن خلال تلك الشركة تمكَّنت بريطانيا العظمى من السيطرة على معظم أراضي الهند، حتى جرى إخضاع الهند للحكم البريطاني المباشر في عام 1858.
في النصف الثاني من القرن الـ19، كانت بداية التصنيع الحديث بالهند لغزل القطن في مومباي، وخلال أقل من 50 عاماً أصبحت إحدى أبرز الدول المُصنِّعة للملابس.
كذلك كان ثراء الدولة الآسيوية بالفحم الحجري عاملاً مساعداً في توفير الوقود والطاقة المُشغِّلة اللازمة للقطارات والمصانع الجديدة.
وبعد أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها، اندلعت في عام 1920 حركة استقلال الهند، وترأس “المهاتما غاندي” حملة احتجاج سلمية ضد الاحتلال.
بحلول عام 1947 انتهى الاحتلال البريطاني، وجرى تقسيم شبه القارة الهندية إلى دولتين مستقلتين: الهند ذات الغالبية الهندوسية، وباكستان الإسلامية، وفي المنتصف إقليم كشمير المُتنازع عليه.
في عام 1987، استردت الهند آخر أقاليمها المُحتلة. وبحلول التسعينيات أطلقت الحكومة الهندية خطة عمل لتحرير وإصلاح الاقتصاد، وفتح الباب أمام الاستثمارات الداخلية والخارجية والتجارة العالمية.
خطواتٌ حذرة في تحديد مستقبل الدولة الاقتصادي
بعد أن اتخذت الهند خطوات حذرة على مدار عقودها الأولى باعتبارها دولةً مستقلة وذات سيادة، أنشأت الهند لجنة التخطيط الاقتصادية الأولى عام 1950، وذلك للإشراف على النطاق الكامل للتخطيط الاقتصادي للبلاد، وضمن ذلك تخصيص الموارد وتنفيذ وتقييم الخطط الخمسية، التي كانت عبارة عن برامج نمو اقتصادي واجتماعي مركزية على غرار تلك التي كانت سائدة في الاتحاد السوفييتي.
فسعت لتحقيق النمو الاقتصادي من خلال زيادة المدخرات والاستثمارات. وبالفعل، نما الاقتصاد بمعدل سنوي بلغ 3.6%، متجاوزاً الهدف الذي بلغ 2.1%.
في عام 1956، اعتمد نموذج Mahalanobis الاقتصادي في الهند، على التصنيع السريع مع التركيز على الصناعات الثقيلة والسلع الرأسمالية والاعتماد الذاتي في تلبية تلك الاحتياجات.
التصنيع يحقق نمواً ولكن.. على حساب الغذاء!
أدى التركيز على التصنيع السريع إلى موجة إعادة تخصيص كبيرة للأموال بعيداً عن قطاع الزراعة. فانخفض الإنفاق على الزراعة إلى النصف تقريباً ووصل لـ14% في الخطة الثانية.
كما تفاقم نقص الغذاء، وارتفع التضخم في الدولة. واستنفدت واردات الحبوب الغذائية احتياطيات النقد الأجنبي الثمينة. وفي 27 مايو/أيار 1964، توفي الرئيس نهرو، الذي كان يُعدّ “أبو الاقتصاد” في الدولة الهندية الحديثة.
بعدها أتى لال بهادور شاستري، وزير بدون حقيبة في حكومة نهرو، خلفاً له رئيساً للوزراء في 9 يونيو/حزيران عام 1964.
على شفا المجاعة الكبرى!
مَثَّلَ نقص الغذاء المُزمن وارتفاع الأسعار مؤشراً على أنَّ الهند بحاجة إلى الابتعاد عن التخطيط المحدود، وتعزيز النظرة الأشمل لمصادر رأسمال الدولة، فتجدَّد التركيز على قطاع الزراعة، ومُنِحَت المؤسسات الخاصة والاستثمار الأجنبي فرصاً للعمل فيها، وهو ما تزامن مع انتصار الهند على باكستان في حرب 1965، الأمر الذي عزز ثقة الدولة بنفسها، ومهد لها النظر في إصلاحات اقتصادية بعيدة المدى بحرية مطلقة للحكومة.
كان التركيز في تلك الحقبة على الأمن الغذائي بشكل أساسي، وكان ذلك نابعاً من أنه في الستينيات، كانت الهند على شفا مجاعة جماعية.
إذ بدأت واردات المساعدات الغذائية من الولايات المتحدة، التي كانت تعتمد عليها البلاد بشكل رئيسي، في التأثير على استقلالية السياسة الخارجية للهند.
وكان ذلك عندما قام عالم الوراثة إم. سواميناثان، بتطوير بذور القمح المتنوعة عالية الغَلَّة، التي كانت سبباً في بدء عهد ما أصبح يعرف بـ”الثورة الخضراء” أو “The Green Revolution“. وهو مشروع للزراعة المستدامة والأمن الغذائي والحفاظ على التنوع البيولوجي.
“الثورة” الزراعية تُحقِّق الأمن الغذائي
بعد نجاح الثورة الخضراء، وجَّهت الهند انتباهها إلى قطاع الألبان، وتوسيع نطاق عملها في هذا المجال فيما بات يُعرف باسم “الثورة البيضاء”. وبالفعل تم تحقيق الاكتفاء الذاتي في قطاع الألبان بالكامل من خلال الحركة التعاونية التي امتدت إلى أكثر من 12 مليون مُزارِع ألبان في أنحاء الهند.
التطورات لم تدم طويلاً، فقد أدت الحرب الحدودية مع الصين على إقليم أكساي تشين عام 1962، والتي انتهت بانتصار الصين، تلتها الحرب مع باكستان، لتحويل رأس المال لتمويل الحرب إلى ضعفٍ شديد في الاقتصاد.
علاوة على ذلك، فقد تراجعت الأمطار الموسمية الحيوية مرة أخرى خلال موسم 1966-1967، مما أدى إلى تفاقم نقص الغذاء وتسبب في ارتفاع حاد في التضخم. فشكلت الحاجة المستمرة لاستيراد الحبوب الغذائية أو طلب المساعدة الخارجية خطراً جسيماً على مستقبل الدولة اقتصادياً وسياسياً.
تخبُّط سياسي وتحديات جسيمة
مثَّلت الستينيات عقداً من التحديات الاقتصادية والسياسية المختلفة للهند، فتسببت حربان وقلة الأمطار في صعوباتٍ معيشيَّةٍ جسيمة.
كما أدى الارتباك الحكومي بوفاة رئيسي وزراء متتاليين هما جواهر لال نهرو وخليفته لال بهادور شاستري، فجأة، في تتابعٍ سريع من عدم الاستقرار السياسي أدى إلى التنافس والتخبُّط داخل البرلمان الهندي.
وقد انخفضت قيمة الروبية الهندية نتيجة لتلك التداعيات وارتفعت الأسعار بشكل عام. لذلك قامت أنديرا غاندي– ثالث رئيسة للوزراء في الهند وأول امرأة تتولى المنصب- بتأميم 14 مصرفاً خاصاً في يوليو/تموز 1969.
وكان الهدف الرئيسي من هذه الخطوة هو تسريع إقراض البنوك للزراعة في وقت كانت فيه الشركات الكبرى تحاصر أجزاء كبيرة من تدفق الائتمان.
ليُلاقي تحرُّك غاندي الثوري، الذي كان يهدف إلى مواءمة القطاع المصرفي مع أهداف الاشتراكية، تأييداً من الجماهير. إذ ساعد تأميم البنوك في تعزيز الائتمان الزراعي والإقراض للقطاعات الأخرى ذات الأولوية. كما قفزت المدخرات المالية مع قيام البنوك بفتح فروع لها في المناطق الريفية.
علاوة على ذلك، أدَّت قرارات الإقراض ذات التأثير السياسي إلى “رأسمالية المحسوبية”. فتنافست هذه البنوك لإرضاء رؤسائها السياسيين، بدلاً من التركيز على تقييمات المشاريع.
لكن على الرغم من التطورات الإيجابية آنذاك، تسببت تلك الثورة اليوم في مواجهة البنوك المملوكة للدولة لديون بلغت ما يقرب من 10 تريليونات دولار من القروض المعدومة، والتي تمثل نحو 90% من إجمالي القروض الفاشلة التي اتُّخذت في تلك الفترة.
في 6 يونيو/حزيران 1966، اتخذت أنديرا غاندي خطوة جذرية لخفض قيمة الروبية الهندية بنسبة حادة تبلغ 57%. وانخفضت الروبية إلى 7.50 في مقابل الدولار الأمريكي بعد أن كانت 4.76؛ وتم القيام بذلك لمواجهة أزمة ميزان المدفوعات الكبيرة في الهند.
عدم اكتراث الدولة بالاستثمارات الأجنبية وإهمال قطاع الصادرات كانا يعنيان أنها تعاني من عجز تجاري مستمر. وقد كان هدف تخفيض قيمة العملة هو تعزيز الصادرات وسط محدودية الوصول للنقد الأجنبي.
بدلاً من ذلك، أدى الأمر إلى تفاقُم التضخم وواجهت الخطة انتقادات واسعة النطاق. كان لتحرك الهند تداعيات على دول أخرى أيضاً، وهي:
- عُمان.
- قطر.
- الإمارات العربية المتحدة.
وهي الدول التي استخدمت الروبية الخليجية بين عامي 1959 و1966، وصدرت عن بنك الاحتياطي الهندي، لتقرر تلك الدول بعدها أن تصنع عملاتها الخاصة.
كانت التداعيات الكارثية على الاقتصاد الهندي سبباً في خسارة أنديرا غاندي الانتخابات في 1977، حيث وصل حزب جاناتا الهندوسي، أو حزب الشعب، للسلطة، وحاول التراجع عن الخطوات التي اتخذتها رئيسة الوزراء.
عادت أنديرا غاندي إلى السلطة عام 1980 بعد انهيار حكومة حزب جاناتا الذي لم يتمكن إلا من زيادة الأمور سوءاً. فبدأت غاندي، الوزيرة الشعبوية ذات الميول اليسارية، بإصلاحاتٍ اقتصادية كبيرة من أجل الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي، مقابل اتخاذ سلسلة من الإجراءات التي تهدف إلى تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد الهندي.
وبحسب موقع البنك الدولي، كان هذا يعني إزالة ضوابط الأسعار، والشروع في تنفيذ إصلاحات مالية، وتطوير القطاع العام، وفرض تخفيضات في رسوم الاستيراد، وإلغاء ترخيص الصناعة المحلية.
الهند الشابة وعصر تكنولوجيا المعلومات
تولَّى راجيف غاندي منصب رئيس الوزراء بعد اغتيال والدته أنديرا غاندي في أكتوبر/تشرين الأول عام 1984. كان يبلغ من العمر 40 عاماً حينها، وكان يمثل آمال وتطلعات الهند الشابة.
واعترف بالحاجة إلى إصلاح اقتصادي إذا تخلت الهند عن اعتمادها على المساعدات والقروض الأجنبية. وفي عهده خفضت ميزانية 1985-1986 الضرائب المباشرة على الشركات ورفعت حدود الإعفاء من ضريبة الدخل. ويُنسب إليه الفضل على نطاق واسع في دخول ثورات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في البلاد.
ومع ذلك، لطالما كانت السمة الأساسية للاقتصاد الهندي تتمثل في ارتفاع عجزه المالي، نتيجة إنفاق الحكومة أكثر من دخلها. إذ ينصبُّ جزءٌ كبير من الإنفاق الحكومي على خدمة تكلفة الفائدة على القروض، والدفاع، والمعاشات التقاعدية، ودعم استهلاك الغذاء والأسمدة والوقود، والمخططات الموجهة للإسكان، ودعم الفقر، والصحة، والنظافة.
وحتى الآن، لا يزال جزء كبير من رأسمال الحكومة الهندية مُعلقاً ومحبوساً في شركاتها وممتلكاتها التي لا تستطيع بيعها.
أزمة اقتصادية مُحقَّقَة!
كانت الدلائل التي تشير إلى الأزمة الاقتصادية الهندية عام 1991، الأسوأ على الإطلاق في تاريخها، واضحة منذ فترة طويلة. إذ اضطرت الدولة إلى بيع 20 طناً من الذهب لبنك UBS الاستثماري لتأمين قرض بقيمة 240 مليون دولار.
وتعهدت بالذهب ثلاث مرات أخرى بعد هذا البيع في ديونٍ مؤجلة، وشحنت 46.8 مليون طن من المعدن الأصفر لتأمين 400 مليون دولار في شكل قروض من بنك إنجلترا وبنك اليابان.
تمت إعادة شراء كل هذا الذهب بحلول ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه عندما جاءت الحكومة بقيادة رئيس الوزراء ناراسيمها راو، مع مانموهان سينغ وزيراً للمالية، التي تولت الحكم في 21 يونيو/حزيىان 1991 وأطلقت مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية.
مطلع يوليو/تموز 1991، خفض بنك الاحتياطي الهندي قيمة العملة بنسبة 9%، ثم بنسبة 11% بعد يومين فقط. كان هذا عندما بدأ الاقتصاد يواجه أسوأ أزماته، وكان احتياطي النقد الأجنبي للبلاد يمكن أن يغطي ثلاثة أسابيع فقط من الواردات.
لم يعد تخفيض قيمة العملة خياراً حقيقياً للحكومات وصانعي السياسات، لأن أسعار الصرف تحددها الأسواق.
وزير مالية عام 1991، مانموهان سينغ، أصبح رئيساً للوزراء في عام 2004، وقد أطلقت حكومته “خطة المهاتما غاندي الوطنية” لضمان العمالة الريفية وتعزيز الأمن المعيشي في فبراير/شباط 2006 لتشمل جميع المناطق الريفية. وبذلك كانت السنوات العشر التي كان فيها سينغ رئيساً للوزراء فترة نمو وتوسع كبير للاقتصاد وانخفضت معدلات القروض.
بذور طفرة النمو الاقتصادي لـ”الأمة الهندية”
لاحقاً في ميزانية الدولة للفترة من (1999-2000)، طرح وزير المالية آنذاك ياشوانت سينها فكرة سحب الاستثمار من مؤسسات القطاع العام وتقليص حجم تدخل الحكومة في سوق المال.
وبذلك كانت حكومة أتال بيهاري فاجبايي التي كانت حينها جزءاً منها، هي الوحيدة التي قامت بخصخصة الشركات المملوكة للدولة، ومن خلال ميزانية (1999-2000)، قام سينها أيضاً بترشيد أسعار الفائدة، ما أدى لازدهار الإسكان، وزيادة النمو.
ومع الخيارات المحدودة لجمع الموارد وميزانية القطاع الاجتماعي الآخذة في الزيادة، لجأ سينغ إلى بيع حصة تتراوح بين 5% و20% في الشركات التي تديرها الدولة. وبالتالي كانت الحكومة قادرة على جمع الأموال دون بيع حصة الأغلبية في شركاتها، مع زيادة مشاركة التجزئة في سوق الأوراق المالية.
كان لخطاب رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، في 8 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2016، وتداولته الصحف العالمية، أثر جذري على اقتصاد الدولة.
إذ قرر أن أوراق الـ500 و1000 روبية هندية، أي ما يصل لـ85% من العملة المتداولة، لم تعد صالحة “لكسر قبضة الفساد والمال الأسود في الدولة”.
كما أعلن ناريندرا مودي في غضون 8 أشهر من توليه رئاسة الوزراء في 25 مايو/أيار عام 2014، استبدال لجنة التخطيط الاقتصادية على غرار النظام السوفييتي، بـNITI Aayog أو المعهد الوطني لتحويلات الهند.
واليوم، تعمل هذه الهيئة مركزاً للأبحاث الحكومية، حيث تقوم بصياغة استراتيجيات متوسطة وطويلة الأجل بعد التشاور مع الولايات.
“دولة واحدة” بسوقٍ قوي
وضعت حكومة ناريندرا مودي تحسينات لتسهيل ممارسة الأعمال التجارية على رأس جدول أعمالها. وكجزء من هذا، في يوليو/تموز 2017، نفَّذت ضريبة السلع والخدمات.
الهند هي الآن واحدة من الدول القليلة التي لديها قانون ضرائب غير مباشر يُوحِّد مختلف قوانين الضرائب المركزية وقوانين الولايات. أزال هذا النظام الجديد الحواجز الضريبية عبر الولايات وخلق سوقاً مشتركة واحدة للدولة، مما ضمن التدفق الحر للسلع دون توقف الشاحنات على الحدود لدفع الرسوم بين الولايات.
نتيجة لذلك، وعلى مدار العقد الماضي تحديداً، انتشر عدد من الشركات الناشئة في جميع أنحاء الهند.
واحدة من أوائل الشركات الناشئة في الهند هي شركة التجارة الإلكترونية Flipkart، التي أسسها اثنان من موظفي “أمازون” السابقين في عام 2007، وقدرت قيمتها بأكثر من 21 مليار دولار عندما استحوذت شركة Walmart البريطانية العملاقة على حصة بلغت 77% منها عام 2018.
عدد الشركات التي تقدر قيمتها بأكثر من 1 مليار دولار في الهند، ارتفع أيضاً كل عام. وقد أدى ظهور الشركات الناشئة إلى خلق نظام بيئي جديد للتمويل من الملاك والمشاريع، فضلاً عن تطوير أنماط جديدة من الاستهلاك في المجتمع، ما حقق ازدهاراً اقتصادياً.
اقتصاد في مُقدِّمة دول العالم
بالنسبة للاقتصاد الهندي اليوم، فمن المتوقع أن ينمو بأكثر من 7% بنهاية 2022. إذ شهد الانتعاش العالمي للأسهم الهندية خلال الربع الأخير من العام، ارتفاعاً استثنائياً حينما وصل إلى المركز الثاني في مؤشر MSCI للأسواق الناشئة، سبقتها الصين فقط، وفقاً لوكالة Bloomberg الاقتصادية.
وبعد أن شهد اقتصاد الهند تحولاً هيكلياً كبيراً خلال العقود الماضية، من المتوقع أن تتفوق الهند على ألمانيا بحلول عام 2027، واليابان بحلول عام 2029 بمعدل النمو الحالي، وفقاً لتقرير بحثي لبنك الدولة الهندي (SBI).
وهو ما يرشحها خلال أقل من 10 سنوات، إلى أن تحتل المرتبة الثالثة في أكبر اقتصادات العالم، بعد الولايات المتحدة بأول مركز، تليها الجمهورية الصينية.
خطة مُحكمة لتعزيز الاقتصاد بخطواتٍ رئيسية
أولاً، تسارع النمو الاقتصادي الهندي طويل الأجل بشكل مطرد خلال فترة خمسين عاماً ماضية تقريباً، دون أية انتكاسات مطولة.
وهكذا، بينما بلغ متوسط النمو 4.4% سنوياً خلال السبعينيات والثمانينيات، فقد تسارع إلى 5.5% خلال التسعينيات وأوائل القرن الحادي والعشرين، ثم إلى 7.1% في العقد الماضي.
وبذلك أثر تسارع النمو على الناتج المحلي الإجمالي الكلي، وعلى نصيب الفرد منه.
كما بلغ متوسط وتيرة نمو نصيب الفرد 5.5% سنوياً في العقد الماضي. ومن المثير للاهتمام، أنه عند مقارنته ببعض أكبر الاقتصادات الناشئة في العالم، فإن هذا التسارع المطرد للنمو يُعتبر فريداً للهند.
ثانياً، أصبح معدل النمو في الهند أكثر استقراراً خلال العقود الأخيرة. ويرجع ذلك جزئياً إلى استقرار النمو داخل كل قطاع، بما يشمل الزراعة والصناعة والخدمات، بجانب اعتماد الاقتصاد على قطاع الخدمات.
ويعمل قطاع الخدمات على توفير الخصائص الخدمية عوضاً عن تصنيع المنتجات الملموسة، ويشمل ذلك مثلاً الخدمات المصرفية والاتصالات وتجارة الجملة والتجزئة، وجميع الخدمات المدنية مثل الهندسة، والبرمجة، والطب، وخدمة العملاء، وغيرها.
هذه النوعية من التخصص عادةً ما يتمتع النمو فيها بالاستقرار، ويكون أقل عرضة لمخاطر الانتكاس.
ثالثاً، كان النمو متنوعاً على نطاق واسع في الهند، ما ساعدها على التقدُّم بشكل متسارع. إذ تضاعفت وتيرة النمو في قطاع الخدمات، تليها الصناعة، ثم بعد ذلك في الزراعة.
ولكن على المدى الطويل، كان نمو الهند مدفوعاً بحصة متزايدة من الاستثمار والصادرات، مع مساهمة كبيرة من الاستهلاك الواسع للدولة في الوقت نفسه.
رابعاً، كان النمو مرناً على نطاق واسع أمام الأزمات الكبرى، المحلية والخارجية على حد سواء، بسبب هيكل الإنتاج الذي لا يعتمد على عدد قليل من المنتجات أو السلع أو الموارد الطبيعية.
وأخيراً، يمكن أيضاً أن يُعزى النمو الاقتصادي للهند خلال العقود الـ5 الأخيرة إلى سلة التجارة المتنوعة ومجموعة واسعة من الشركاء التجاريين، بمعنى أنه لن يؤدي التباطؤ أو الانتكاسات في الاقتصادات الكبرى بالعالم إلى تأثير كبير على اقتصاد الدولة، وهو بشكل عام ما يضمن لها مستقبلاً مالياً أكثر استقراراً، أو حتى يدفعها إلى أن تناطح أمريكا والصين في ميزان الدول الاقتصادية العظمى في المستقبل القريب.
المادة الصحفية : تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع