بقلم: غادة كرمي*(موقع ” middleeasteye” البريطاني الناطقة بالفرنسية- ترجمة:أسماء بجاش- سبأ)

تنتهج المملكة العربية السعودية وحلفاءها ضمن منظومة دول التحالف العربي منذ اربع سنوات عمليات تدمير ممنهج لليمن, ارضا وإنسانا, دون تحقيق أي نتائج ملموسة .

يكمن الهدف الرئيسي المفترض من هذه الحرب في استعادة سلطة الرئيس المخلوع “عبد ربه منصور هادي” الذي فر إلى المملكة العربية السعودية بعد أن تمكن الحوثيون من اجتياح العاصمة صنعاء في سبتمبر من العام 2014.

كما تسعى هذه الحرب أيضا إلى إحباط خطة إيران المزعومة لتوسيع وبسط سيطرتها على كل الاراضي اليمنية, وذلك عن طريق استخدام المتمردون الحوثيون.

ومع كل هذه الحجج، إلا أنه لا يمكن تفسير الوحشية العشوائية وضراوة الهجوم العسكري الذي تشنه قوات التحالف العربي بقيادة الرياض على اليمن من خلال هذه الدوافع المزعومة, فهل كان من الضروري إعادة اليمن إلى العصر الحجري واستهداف السكان المدنيين, وبالتالي ضمان عدم قدرة البلد على التعافي قبل قرن من الزمان على أقل تقدير؟

وللإجابة على هذا السؤال، من الضروري العودة للوراء قليلاً لفهم تاريخ منطقة شبه الجزيرة العربية والمكان الثانوي الذي تحتله المملكة العربية السعودية.

حضارات مزدهرة:

في العصور القديمة، كان اليمن موطناً للكثير من الحضارات المزدهرة, حيث نشأت وتطورت ست ممالك في هذه المنطقة من شبه الجزيرة العربية في القرن الثاني عشر قبل الميلاد، وهي معين، وقتبان، وأوسان ، وسبأ، وحمير وحضرموت.

كانت مملكة سبأ هي الأكثر شهرة بين الممالك اليمنية والتي استمرت لما يقرب من أحد عشر قرنا, حيث كانت واحدة من أكبر الممالك في المنطقة.

فهذه المملكة كانت بمثابة اسطورة شعبية, كما تم ذكرها وملكتها في “كتاب القرن الكريم”.

شهدت مدينة مأرب عاصمة مملكة سبأ، في ذلك الوقت بناء سد عملاق وأعجوبة الهندسة المعمارية القديمة، عمل من خلاله السبئيون على تطوير نظام الري يعتمد على شبكات قنوات والذي بث الحياة للعديد من الأراضي الزراعية.

كما عملت مملكة سبأ على توسيع رقعتها في العام 700 قبل الميلاد, حيث فرضت قبضتها على معظم أراضي المنطقة الجنوبية من شبه الجزيرة العربية.

وقد استندت هذه الحضارة الرائعة على تجارة اللبان والمر من خلال الشبكات التجارية المتجهة إلى الصين والهند والشرق الاوسط.

لتسهيل أعمالهم  التجارية، قاموا ببناء سلسلة من المستعمرات على طول الشريط الساحلي للبحر الأحمر ابتدأ من المناطق الشمالية ووصولاً إلى مضيق باب المندب و المحيط الهندي والقرن الأفريقي, حيث قاموا ببسط سيطرتهم على كافة تلك المناطق,  كما تم اكتشاف بقايا الفن والهندسة المعمارية السبئية حتى المناطق الشمالية من إثيوبيا.

مع ظهور الإسلام, لعبت القبائل اليمنية دوراً رئيسياً في الفتوحات الإسلامية لمصر والعراق وبلاد فارس وبلاد الشام.

وفي القرن الثالث عشر، كان اليمن يتمتع بثقافة إسلامية منقطعة النضير, حيث ضم البلد على العديد من المدارس ومراكز التعلم الإسلامي.

وقد أدى ذلك إلى تطوير بنية مميزة فريدة من نوعها في المنطقة, والتي اعتمدت بشكل شبه كلي على مواد البناء المحلية, إذ تحتضن العاصمة صنعاء, مدينة صنعاء القديمة والتي يرجع تاريخ بناءها إلى القرن الأول الميلادي، فهذه المدينة خير مثال على ذلك.

حضارة عريقة:

واليوم, ما لذي قدمته المملكة العربية السعودية للمنطقة شبه الجزيرة العربية التي اصبحت اليوم معظم اراضيها تابعة لها, مقارنة مع تلك الإنجازات التي قدمتها الحضارة اليمنية الأسطورية؟

حتى ظهور الإسلام في القرن السابع الميلادي، كانت المناطق التابعة للمملكة العربية السعودية في ذلك الوقت, تعيش تحت وطأة زعماء القبائل, حيث كان معظمهم يعيشون في عزله وغموض، ولا يمكن لهم أن ينافسوا ممالك اليمن.

وحتى بعد ظهور الإسلام، لم تنشأ أمجاد حضارة إسلامية في المناطق الشمالية من شبه  الجزيرة العربية.

السعودية مملكة حديثة التكوين مقارنة بالحضارة اليمنية:

تعتبر المملكة العربية السعودية حديثة العهد, حيث لم يكن لها أي وجود حتى الثلاثينات من القرن الماضي, بينما رأت دولة الإمارات العربية المتحدة الذراع الايمن لقوات التحالف العربي بقيادة الرياض في هذه الحرب النور مؤخرا في العام 1971.

إن القليل من عناصر التاريخ أو الثقافة العلمانية لهذه الدول لا يمكن لها ان تقارن البته مع الحضارات اليمنية القديمة, ومن جانبها فقد اضمرت دول التحالف في خلجات نفسها تدمير تلك الحضارة العريقة بفعل الغارات الجوية التي تمطرها على اليمن.

فهذه الاعمال المستوحاة من الفكر الوهابي الذي عمد إلى تدمير المباني والمقابر والمعالم التاريخية في مكة المكرمة والمدينة المنورة, يعتبر بمثابة سابقة خطيرة لما يحدث في اليمن اليوم.

فهذه الحرب لم تجلب لليمن سوء البؤس والمرض الذي خيم على جميع أنحاء البلد.

ومن جانبها, أشارت الأمم المتحدة إلى أن 14 مليون شخص, أي ما يعادل نصف عدد السكان في اليمن معرضون للوقوع في شرك المجاعة, بينما أشارت منظمة اليونيسف إلى أن  1.8 مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد, منهم 400 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.

حصدت الغارات الجوية حياة أكثر من 10 آلاف شخص، مما أدى إلى ارتفاع معدل المساعدات الدولية لـ 22 مليون شخص, ناهيك عن تسبب هذه الحرب في أكبر تفشي لوباء الكوليرا على الإطلاق.

تم تدمير نصف المرافق الصحية في البلد خلال عمليات التدخل العسكري لقوات التحالف, حيث جعلت هذه الغارات من البنية التحتية المدنية في مرمى ونيرانها وغالبا ما كان المدنيون لقمة صائغة لتلك العمليات.

أضرار لا يمكن إصلاحها:

إن الأضرار المادية التي لحقت بالبنية التحتية اليمنية “المدارس والمستشفيات والأسواق” أمراً في غاية الخطورة، بيد أنه من الممكن إعادة بنائها في مرحلة ما بعد السلام, ولكن لا يمكن قول الشيء نفسه عن الضرر الذي لا يمكن إصلاحه والذي لحق بالعمارة والإرث التاريخي لهذا البلد.

ومن جانبها, وثَّقت منظمة اليونسكو الآثار المدمرة للحرب على مدينة صنعاء القديمة، ومساجدها، وحماماتها، وبيوتها المبنية من الطوب والمزينة بنوافذها المقوسة الملفتة للنظر والمصنوعة من الجبس.

لم تكن مدينة صعده التاريخية أحسن حال من شقيقتها “صنعاء القديمة” فالشيء نفسه حدث معها, ومع سد مأرب القديم، ومدينة براقش التاريخية ومقابر حضرموت القديمة التي لا يمكن تعويض هذا الارث المعماري الفريد.

وعند النظر في هذه الدرجة غير المتناسبة من الموت والدمار الذي لحق باليمن، فمن الضروري أن نتساءل عما هو الدافع الحقيقي لهذه الحرب, هل هو العداء السعودي الشديد تجاه حضارة اليمن العظيمة والمكانة المرموقة التي يحتلها في التاريخ.

وإذا كان هذا هو الحال، فإن قصف اليمن لنا يؤدي إلى محوها من الخريطة, بينما لن يحذف ماضيها المجيد والعريق، وفي نفس الوقت لن يعطي السعودية ما لم يكن لديه في الاصل.

*غادة كرمي كاتبة وأكاديمية فلسطينية, بالإضافة إلى كونها طبيبة.