لماذا يغرق اليمن في الحرب والمجاعة
بقلم: باسكال هيرارد
( موقع “انفور ميشن0 تي في 5 موند – information.tv 5 monde” الفرنسي- ترجمة: أسماء بجاش, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)”
لا تزال اليمن غارقة في القتال الدائر بين التحالف الموالي للحكومة بقيادة المملكة العربية السعودية والحوثيين الموالين لإيران منذ ما يقرب من سبع سنوات.
فقد وّلد هذا الصراع “أسوأ أزمة إنسانية وإنمائية في العالم” بحسب التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة، التي تعتقد أن السلام وحده هو الذي يمكن أن يوقف الكارثة الإنسانية الجارية ويخفف من وطأة العذاب الذي أطبق خناقة على البلد.
كما تقدر الأمم المتحدة أن حرب اليمن سوف تحصد أرواح 377 ألف شخصا على الأقل بشكل مباشر أو غير مباشر بحلول نهاية العام الجاري.
يتواصل هذا الصراع، بما يترتب عليه من عواقب إنسانية مأساوية، مع شبه اللامبالاة من جانب القوى الكبرى.
يمكن لملايين اليمنيين أن يقعوا فريسة سهلة للمجاعة والمرض إذا لم يتم إحلال السلام في البلد بسرعة كبيرة، وفقاً لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابعة للأمم المتحدة.
اليمن: صراع خارج القانون الدولي ولكن الأمم المتحدة تقبله؟
في أواخر مارس من العام 2015, أطلق تحالف عربي بقيادة السعودية تدخلاً عسكرياً في اليمن، بناءً على طلب من الرئيس عبد ربه منصور هادي, حيث يتوجب على هذا التحالف أن يحمي اليمن من المد الحوثي، الذي قد تدعمه إيران.
وفي 14 أبريل 2015, صوتت الأمم المتحدة على قرار “بموجب الفصل السابع” يفرض حظرا الأسلحة للحوثيين ويستهدف الجزاءات ويطالبهم بالانسحاب من المناطق التي يسيطرون عليها.
يرى الباحث الفرنسي من المركز الوطني للبحوث العلمية لوران بونيفوي, أن هذا القرار الذي اتخذته الأمم المتحدة في العام 2015, لا يأذن بالتدخل العسكري تحت القيادة السعودية والذي لا يزال مستمراً في اليمن, “إن قرار الأمم المتحدة لا يأذن باستخدام القوة، ولم يصادق عليه القانون الدولي, والثغرة الوحيدة القائمة ــ وهو ما يعني أن هذا لا يعتبر تدخلاً غير قانوني على الإطلاق ــ هي أن ما يسمى بالرئيس الشرعي، هادي، طلب هو نفسه تدخلاً أجنبياً في ذلك الوقت, ومنذ ذلك الحين، اشتعلت الحرب في اليمن، دون مخرج واضح”.
15 مليون حالة وفاة محتملة بسبب المجاعة والمرض:
يقدر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة أن 24 مليون شخص يعتمدون على المعونة الإنسانية والحماية.
ملاحظة مثيرة للاهتمام، شاركت فيها ماغالي شيلبي – دن هامر، باحثة في معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية ورئيسة البرنامج الإنساني والإنمائي:”إن الظروف المعيشية لليمنيين سيئة للغاية، حيث يعيش 80% من السكان اليوم تحت خط الفقر ويعتمدون على المساعدات الدولية, سوء التغذية الشديد للأطفال يزداد يوماً بعد يوم، وفي بعض المناطق، يعاني طفل واحد من كل خمسة أطفال من سوء التغذية الحاد, أدى تدهور العملة المحلية، الريال اليمني إلى ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية الأساسية إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي للسكان ومنذ بداية العام 2021 ارتفعت بعض السلع الأساسية بنسبة 60%”.
ونظراً لأن 90% من المنتجات الغذائية تستورد إلى اليمن، فقد أدى التضخم إلى انفجار الأسعار النهائية للمنتجات, وهذا ما ألقاء بظلاله على السكان مما أدى إلى نتيجة مآساوية إنسانية, كما أن عدد المتسولين آخذ في الازدياد في الشوارع, نحن نرى المزيد والمزيد من النساء يخرجن في الليل حتى لا يتم التعرف عليهن للبحث عن الطعام في سلال القمامة, وهناك عدد قليل من المستشفيات التي تعمل بعد الساعة 10 ليلاً بسبب الحاجة إلى الوقود لتزويد المولدات الكهربائية بالطاقة، ناهيك عن شح الأدوية بسبب الحظر المفروض على البلد, بعبارة أخرى، فإن الحالة الصحية كارثية”.
ومن جانبه, حذر بالفعل, المبعوث السابق للأمين العام للأمم المتحدة مارتن غريفيث من الحالة الحرجة للسكان في اليمن في أغسطس الماضي, حيث أوضح أن أولوية الأولويات الإنسانية هي منع المجاعة, واليوم، يتعرض حوالي 5 ملايين شخص لخطر الموت من الجوع والأمراض المصاحبة له, حيث أوضح لأعضاء مجلس الأمن أن هناك عشرة ملايين آخرين خلفهم تماما.
سيناريو آخر بدون الحرب:
وعلى الرغم من هذه النتائج الإنسانية المثيرة، يرى تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن الوضع في اليمن قد يتحسن, بشرط أن تتوقف الحرب بسرعة.
كما يشير التقرير إلى أنه “إذا عاد السلام إلى اليمن بحلول يناير 2022, مقروناً بعملية انتعاش عالمي، يمكن عكس اتجاهات الفقر العميقة في البلد, حيث سوف يكون وضع البلد, مماثل لوضع البلدان المتوسطة الدخل بحلول العام 2050, وبالإضافة إلى ذلك، يحلل التقرير أن “سوء التغذية يمكن أن ينخفض إلى النصف بحلول العام 2025 وأن البلد يمكن أن يصل إلى 450 بليون دولار من النمو الاقتصادي بحلول منتصف القرن”.
يعتقد الباحث في “المعهد الفرنسي لتحليل الاستراتيجي – IFAS” و”معهد العلاقات الدولية الاستراتيجي – IRIS ” ديفيد ريغوليت روزه، المتخصص في شوؤن المنطقة، أن هذه الإحصائيات تعتبر ذات أهمية بالغة وهي موجودة للسماح بالوعي الدولي بعواقب الصراع, وفي ظل هذه الخلفية، هناك حاجة ماسة إلى وقفه.
“تشير الأمم المتحدة إلى أن 377 ألف شخص سوف يلقون حتفهم بحلول نهاية العام 2021, مشيرة إلى أن 60% سوف يلقون حتفهم لأسباب غير مباشرة، معظمهم من المدنيين, إن الجزء من التقرير الذي يتحدث عن الكيفية التي سوف يتطور بها اليمن في المستقبل ــ إذا كان هناك سلام ــ يشكل في واقع الأمر إسقاطاً لنموذج إحصائي, وبالتالي, هذه طريقة للقول، هذا ما يمكن أن يكون عليه اليمن إذا لم تكن هناك حرب، هكذا يمكن أن تتحسن الأمور، بالنسبة لبلد يبدأ من الصفر، فهي أيضاً “طريقة للتاريخ فيما يتعلق بمختلف الأجزاء من وجهة النظر الجغرافية – السياسية”.
هل يمكن للسلام أن يتحقق؟
ولكن لماذا، بعد أكثر من 6 سنوات من الصراع المحتدم، لا تزال المملكة العربية السعودية مستمرة على الرغم من كل تدخلها العسكري الذي يبدو أنه لا مخرج منه؟
يعتقد ديفيد ريغوليت – روزه أن هذا البلد – السعودية- يود في الواقع الانسحاب من الصراع، ولكنه لا يستطيع ذلك, نظراً لكونها محاصرة, كما تود وقف تدخلها، لكن الفصيل الذين تقاتلهم – الحوثيون – في وضع عسكري أفضل مما كانوا عليه في البداية, وفي المقابل, الحوثيون لا يرغبون في التفاوض كما يريد السعوديون”.
“يبدو أن المفاوضات بين الطرفين وصلت إلى طريق مسدود اليوم, فهذه المفاوضات تفشل إلى حد كبير لأن الحوثيين يعتقدون أن بإمكانهم إحداث تغيير على الأرض العسكرية”.
ولذلك فإن الانسحاب العسكري السعودي لا يبدو ذا أهمية، حتى في المستقبل القريب. هناك سابقة، اتفاقية ستوكهولم التي تم التوقيع عليها في منتصف ديسمبر من العام 2018, حيث وفرت حلا سياسيا لصراع الذي لا يمكن أن يكون له حل عسكري من الناحية النظرية.
وباستثناء أن هذا الاتفاق يتضمن عددا من البنود التي لم توضع في صيغتها النهائية، باستثناء الأحكام الموجودة في ميناء الحديدة والتي تسمح بتقديم المعونة الإنسانية.
ووفقا لديفيد ريغوليت-روزه, فمنذ فبراير 2021, يقوم السعوديون بشن غارات جوية على المناطق المحيطة بمحافظة مأرب, والهدف يكمن في منع سقوط المحافظة لأنها آخر معاقل الموالين, ناهيك عن كونها المحافظة الغنية بالنفط وتتعرض لضغوط عسكرية من الحوثيين, وفي حال سقطت (مأرب)، سوف يكون هذا بمثابة إذلالاً للحكومة هادي والسعوديون, الذين يردون الانسحاب برأس مرفوع، وليس عن طريق الإذلال العسكري”.
وبنبرة متشائمه, يتساءل الباحث “هل يمكن أن يعم السلام على اليمن في العام 2022؟, “إننا لا نرى كيف يمكن أن ينتهي هذا الصراع في الأجل القصير, ما لم تكن هناك مفاوضات نووية مع إيران، لأن هناك لعبة من جانب ذلك البلد مع الحوثيين, ولكن على الرغم من ذلك، لا بد من وجود أجندة حوثية تتزامن تماماً مع أجندة إيرانة، وهي ليست الحال بالضرورة, وليس هناك ما يظهر على مستوى الأمم المتحدة لحل هذا الصراع، لأن بعض أعضاء مجلس الأمن دعموا بالفعل التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية- في مواجهة الميل الإيراني المفترض في اليمن – مثل الولايات المتحدة أو بريطانيا أو فرنسا، وذلك من خلال مبيعات الأسلحة أو الخدمات اللوجستية”.
* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع